ملكية الطائفة الدرزية لمقام النبي شعيب(ع): كل الحقائق والمستندات التاريخية/ د.عنان وهبة

تم بناء ضريح مقام النبي شعيب عليه السلام في نهاية القرن التاسع عشر على يد الشيخ المرحوم مهنا طريف. نشر الكاتب شبلي سيقلي في مقال نشر له في جريدة "لسان الحال" التي صدرت في بيروت بتاريخ 7 تشرين ثاني 1889, يتحدث عن رحيل الشيخ مهنا طريف، شيخ مشايخ العقل الدروز، مهنّا محمد طريف، غير متجاوز سنّ الأربعين. وجاء في وصف أعماله المأثورة يتضمن شهادة عن عمله في بناء ضريح النبي شعيب بعد أن كان بناء بسيطاً، كما تم بناء أجنحة تتسع للضيوف. يشار إلى أن العمل على بناء الضريح استغرق نحو عشر سنوات. جاءت الحكومة العثمانية ولم تمنعهم من ذلك في ظلّ الدولة العلية – العثمانية. بنى الشيخ مهنا طريف مقام سيدنا شعيب عليه السلام، ليصبح مأوى للزائرين 'آية للناظر' بقيمة مئة وعشرين ألف قرش، واصفا بداية العمل وتحديد موعد سنوي للزيارة في تاريخ 25 نيسان من كلّ سنة.
في تاريخ 20.12.1942 قام مدير الاوقاف الإسلامية، كامل ياسين، بدعم من المجلس الاسلامي الاعلى برئاسة الحاج امين الحسيني ومخاتير قرية حطين وموظف التسوية (المسلم) عارف صافي، بتقديم دعوى (عن طريق المحامي فريد الطبري) للمحكمة في طبريا لامتلاك اراضي مقام النبي شعيب عليه السلام بادعاء انه ملك للمسلمين منذ عهد صلاح الدين.
وقد تصدى لهذه الدعوى المجحفة المرحوم الشيخ امين طريف والمرحوم الشيخ سلمان طريف بدعم من كل القيادات الدينية والدنيوية الدرزية في الشرق الاوسط، وقدموا للمحكمة شهادات ورسائل موقعة من أكثر من 40 قيادي درزي بضمنهم الشيخ ابو حسين محمود فرج وسلطان باشا الاطرش والرئاسة الروحية في سوريا وكل قيادات الطائفة في ذلك الحين. في المحكمة، مثّل الطائفة المعروفية المحاميان احمد الشقيري وجورج معمر بطلب من المحامي علي حسين الاسعد حسين من قرية الرامة.
حُسم هذا الخلاف على ملكية اراضي مقام النبي شعيب عليه السلام بين الدروز والمجلس الاسلامي الأعلى بتاريخ 25.4.1945: بعد مداولات في المحكمة دامت أكثر من سنتين تقرر عقد جلسة في المقام بتاريخ 25.4.1945 بحضور المندوب السامي اللورد غورت - John Vereker، الذي وصل الى المكان بمصفحته ليرى الوفود التي جاءت الى المكان مدججة بسلاحها وخيولها من كل أطياف الطائفة الدرزية، متأهبة لكل طارئ، وعند وصول المندوب السامي مع باقي الوفود ورأوا استعداد أبطال الدروز في المكان ذُهلوا من ذلك المنظر الرهيب حول المقام. بعد الاجتماع قرر المندوب السامي وقياداته المصادقة على منح أراضي الوقف والمقام للطائفة الدرزية، وقد قال المندوب السامي في الاجتماع: لا أحد يستطيع ان يحفظ وقف وأراضي النبي شعيب الا الدروز.
وبعدها وقّع على القرار ووقع عليه ايضا مخاتير حطين والقرى المجاورة وأعضاء المجلس الاسلامي الاعلى، وتقرر ان يكون المقام ووقفه واراضيه في ملكية وسلطة الطائفة الدرزية. وقد تخلف عن التوقيع المحامي الشيخ نايف الطبري، وعندها توجه اليه البطل حمزة درويش واضعا يده على السيف قائلا له: قدّم وأمضِ. فتقدم المحامي نايف الطبري ووقّع هو الاخر على القرار. بعدها أُذيع الخبر في محطة الشرق الادنى الاذاعية التي كانت بإدارة عجاج نويهض، ونُشر في الصحف العالمية.
لاحقا، أرسل شيخ العقل المرحوم أحمد الهجري رسالة بتاريخ 31.12.1947 الى المندوب السامي البريطاني لورد غورت يطلب منه الاعتراف بملكية مقام النبي شعيب عليه السلام، المقدس للطائفة الدرزية وليس للأوقاف الإسلامية في فلسطين، التي حظيت على دعم الدولة العثمانية التي تلاشت آنذاك.
اعترفت دولة إسرائيل رسميا بالطائفة الدرزية كطائفة مستقلة سنة 1957. وفي سنة 1964 خلال الزيارة السنوية للمقام، وباشتراك 4000 شخص من أبناء الطائفة الدرزية، قدم رئيس الدولة شازار كوشان الملكية على المقام لسيدنا الشيخ المرحوم امين طريف، وأشار إلى تصحيح الظلم التاريخي الذي وقع على الطائفة الدرزية. وكانت مساحة القبر دونماً واحداً حول الضريح.
في العقد الاخير، وبمساعي الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ أبو حسن موفق طريف، تمّ تثبيت وتوسيع الملكية على المقام على مساحة 433 دونم ملك لأبناء الطائفة الدرزية. وكما أشار الأمير البيان شكيب أرسلان في زيارة المقام قبل قيام دولة إسرائيل، إن مقام النبي شعيب هو قبلة الدروز في الشرق الاوسط. ونحن نتوقع أن يسود السلام، وأن نرى إخواننا عبر الحدود يحافظون على حقهم الطبيعي في العبادة وان يُسمح لهم بالمجيء لزيارة الأرض المقدسة، كسائر ابناء الديانات الأخرى.